لأقتلن عمى .
ولأتزوجن ابنته .
ولأرثن ماله .
ولآكلن ديته .
هذا هو الحوار الذى دار فى نفس شاب من بنى إسرائيل ، بعد رجوعه من عند عمه حين طلب منه أن يزوجه ابنته .
لكن العم كان رجلا من أثرياء قومه ، فرفض أن يزوجه ابنته لفقره.
ووضع الفتى خطته الماكرة ،
بل تحول من جانب التفكير والخطط إلى حيز التنفيذ والفعل ..
فذهب إلى عمه فى الأيام التالية ، وكأن شيئًا ما لم يكن
وأظهر له الملاطفة والود ، وأظهر له أن رابطة الدم عنده أقوى من رابطة المصاهرة ، حتى اطمأن له عمه.
وفى ذات ليلة وبينما كان العم فى بيته ، إذ بابن أخيه يأتى له .
ويقول : يا عم ! لقد أقبل بعض التجار من القرية المجاورة لنا ومعهم تجارات كبيرة ، فلو انطلقت معي إليهم .
لعلى أن أنال منهم بعض هذه التجارة فأربح .
قال العم : ولم لا تذهب إليهم وتطلب منهم ما تريد ؟
قال الشاب : إني كما ترى صغيرٌ فى السن ، وغير معروف عندهم فلعلهم إذا رأوك معي أعطوني بعض التجارة .
فأنت رجل كبير ، وتاجر معروف ، و وجيه من وجهاء الناس.
ولو كان والدى حيا لخرج معى ،
ولكن أنت والدى بعد والدى .
فتأثر الشيخ الكبير لهذه الكلمات الرقيقة.
وأبدى استعدادًا للذهاب معه .
فقال الشاب له : لن أنسى لك ذلك ما حييت .
وخرج العم مع الفتى ليلا ، ولا يدرى ما خبأت له الأقدار .
فلما بلغا مكانا قريبا من القرية طعنه ابنُ أخيه طعنات غدرٍ قاتلة أودت بحياته فى الحال .
ولم تجدى صرخات العم وتضرعاته أمام ما خطط له هذا الشاب .
ورجع إلى أهله فبات بينهم وكأن الأمر لم يكن .
وظل يفكر فيما هو مقدم عليه ..
وفى الصباح ذهب الفتى إلى بيت عمه ينادى عليه كعادته ، فلم يجده ،
فانطلق يمارس حياته بصورة طبيعية أمام الجميع .
وبينما كان يجلس مع أهله ، إذ بالخبر يصل إليهم أن الرجل الكبير وُجد قتيلا قريبا من القرية المجاورة .
فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه .
وينادي واعمااااااااااه .
ويستحث أهله وذويه و أهل قريته على أن يقفوا بجواره ليقتلوا أهل هذه القرية الأشرار ،
وتسلح القوم هنا وهناك ،
وكادت أن تحدث مقتلة عظيمة .
وهنا تدخل عقلاء القوم وكبراؤهم قائلين للجميع :
كيف تقتتلون وبينكم نبى الله موسى عليه السلام ؟
لم لا نذهب إليه ؟
فلعله أن يكون عنده الخلاص لما نحن فيه .
اتجه الجميع إلى نبي الله موسى عليه السلام وقصوا عليه ما حدث.
وأخذ الشاب يقول لنبي الله موسى عليه السلام بتأثر :
إنه عمى ! نريد أن نعرف قاتله ،
وإلا لأبيدن تلك القرية الغادرة ،
ولأجعلنها تجرى بدمائهم .
فقال موسى عليه السلام : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .
قالوا : يا موسى ! أنحن نقول لك عن قتل رجل منا وأنت تقول نذبح بقرة ، أتهزأ بنا وتسخر منا وتجعلنا هزوا بين الناس .
فقال موسى عليه السلام : إني أقول لكم إن الله يأمركم فكيف أتقول على الله ما لم يقل ؟ أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
وهنا قالوا : يا موسى ! سل ربك وادعوه ختى يبين لنا مواصفات هذه البقرة .
قال موسى عليه السلام : إن الله يقول لكم أنها ليست كبيرة هرمة، وليست صغيرة بكرا لم يطرقها الفحل ..
بل هى بقرة فى أوسط العمر بين هذا وذاك .
وهنا قالوا : يا موسى ! سل ربك وادعوه لنا يبين لنا لون هذه البقرة .
قال موسى عليه السلام : إن الله يقول لكم أنها بقرة صفراء اللون بل إن لونها فاقع شديد الاصفرار ، وليس فاقعًا ينفر العين والنفس بل تسر الناظرين إذا نظروا إليها وترتاح لذلك نفوسم .
ثم غضب موسى عليه السلام منهم وقال لهم : يا قوم افعلوا ما تؤمرون ولا تكثروا من الأسئلة ، ولا تشددوا فيشدد الله عليكم .
لقد كنتم تستطيعون أن تذبحوا أى بقرة من البداية
فشددتم فشدد الله عليكم .
ثم بين لكم أنها فى أوسط العمر .
فشددتم فشدد الله عليكم ،
وضيقتم على أنفسكم فضيق الله عليكم .
ثم سألتم عن لونها فأخبركم ..
فافعلوا ما تؤمرون ،
ولا تكثروا المجادلة والتشدد والتنطع ، و لا تكتروا من المسائل .
فانطلقوا باحثين عن البقرة المطلوبة .. أياما كثيرة وهم يبحثون ووجدوا هذه المواصفات تنطبق على كثيرٍ من البقر .
فعادوا إلى نبى الله موسى عليه السلام .
فال لهم : أذبحتم البقرة ؟
قالوا : لقد بحثنا عنها فوجدنا هذه الشروط والمواصفات تنطبق على كثير من البقر ، حتى أن البقر تشابه علينا.
قال موسى عليه السلام : ولمَ لم تأخذوا أى بقرة من بين هذا البقر وتذبحوها .
قالوا : نريدك أن تسأل ربك عن مواصفات محددة فى البقرة لا نجدها فى غيرها ، حتى تستريح أنفسنا .
فغضب موسى عليه السلام غضبا شديدا
لم يغضب مثله إلا يوم رجوعه من الجبل فوجدهم يعبدون عجلا .
ورأى القومُ الغضبَ الحقيقى فى وجه موسى عليه السلام .
فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يبين لنا ما هى وإنا إن شاء الله لمهتدون .
فذهب عن موسى عليه السلام الغضبُ قليلا، لأنهم قدَّموا مشيئة الله .
فقال لهم موسى عليه السلام : إن الله يصفها لكم بأنها بقرة ليست مذللة لحراثة الأرض أو لسقاية الزرع .
قالوا : يعنى لا تعمل فى الأرض ، ولا تُعلق بساقية .
قال موسى عليه السلام : أجل ! فلا يمكن لصاحبها أو لأحد من الناس أن يسخرها لذلك فهى تشبه البقر الوحشى .
قالوا : ياموسى ! الآن فقط جئت بالحق .
فهز نبى الله موسى عليه السلام رأسه تعجبا وأسفا من قولهم ومن إيذاءهم له فى كل موقف ، وعجب من قولهم هذا بصفة خاصة .
فكلامهم معناه أنه كان قبل ذلك لا يقول الحق .
ولك الله يا نبى الله موسى ! لكم آذاك قومك ، فتحملت ذلك فى سبيل الله تبليغ رسالة الله سبحانه ، فكنت حقا من أولى العزم .
انطلق بنو إسرائيل يبحثون عن البقرة فى كل مكان ، ولكن عبثًا حاولوا فلقد كان مطلبًا عزيزًا حقًا .
أياما كثيرة وهم يبحثون عن هذه البقرة فلم يجدونها .
ورجعوا إلى نبي الله موسى عليه السلام
وقالوا له : لقد طلب منا ربك مطلبا عسيرا .
فقال لهم موسى عليه السلام : لقد أخبرتكم قبل ذلك أن تذبحوا أى بقرة ،
فأبيتم إلا أن تشددوا وتضيقوا على أنفسكم
فذوقوا جزاء عملكم السيئ ، انطلقوا فابحثوا عنها جيدًا .
قالوا : ألا يغنى عنها أن نذبح أى بقرة .
فتركهم موسى عليه السلام وهو غضبان أسفا ، فخافوا من ذلك وخرجوا يبحثون عنها فى كل مكان .
تبع بمقاله ثانيه..........