هكذا ..
نام الرجلُ الكبير الصالح
وأصبح يعانى سكرات الموت ،
ذلك الرجل الطيب ...
الذى لطالما كان يفتح بيوتا كثيرة ..
ولا يدرى به أحد من الناس غيرُ الله سبحانه .
فقد كان رجلا ثريا ،
أنعم الله عليه
ببستان كبير ،
حديقة مثمرة ،
وجنة تتدلى من أشجارها أفضلُ أنواعِ الثمار ..
من أعنابٍ ونخيلٍ وزروعٍ كثيرة .
لا .. إنها ليست حديقة فقط
ولا بستانا فحسب !
إنها ....
جنة .
بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ وخيرات .
وقابل الرجلُ الصالحُ هذا الخير العميم والنعم الكثيرة ،
بنفس مؤمنة ..
وبفيضٍ من الشكرِ والثناءِ على الله
فكان نعمَ المال الصالح للرجل الصالح .
وكان إذا حان وقتُ حصاد الزروع ، يرسل إلى الفقراء والمساكين ليشاركوه فى حصاده .
بل إن الفقراء والمساكين عرفوا طريق هذا الرجل الصالح ..
فكانوا يذهبون إليه فى أوقات جمع الثمار لِيُعْطِيَهُمْ من رزقِ الله.
فيأخذون ما يأخذون ، ثم ينصرفون وألسنتُهم تلهثُ بدعواتٍ كثيرةٍ نابعة من داخل قلوبهم ونفوسهم .
ولم يكن الرجل الصالح يرجعُ إلى بيته بشئ من الثمار حتى يعطى الفقراء والمساكين حقوقهم .
وجمع الله تعالى لهذا الرجل بجوار نعمة المال نعمة الأولاد ، فكان له مجموعةٌ من البنين ..
وكانوا يرون أباهم يفعل ما يفعل ..
وبينما كان الأبُ يعانى سكراتِ الموت خاف على أبنائه أن يغيروا ،
ويمنعوا حقوق الفقراء
فيبدل الله حالهم ..
خاصة أن بعض أبنائه قد طلبوا منه - قبل ذلك - أن يمتنع عن إعطاء الفقراء والمساكين.
فأوصاهم – وهو فى سكرات الموت - أن يحافظوا على طاعة الله ،
وأوصاهم ألا يمنعوا المساكين حقوقَهم ، بل أوصاهم بالمحافظة عليها ..
فأجابه جميعُ الأولاد بالسمع والطاعة .
فهل يَصْدُقُونَ فى وعدهم لأبيهم الصالح !!
هذا ما ستسفر عنه الأيام والفعال .
مات الرجل الصالح
وأقبل على ربٍ كريمٍ ،
بعد هذه الرحلة الطيبة .
تَزُفُهُ دعوات صالحة من أهل الأرض ..
وتستقبله الملائكةُ الكرامُ الطيبون .
وبقى الأبناءُ
ورثوا ثروةَ أبيهم ..
وورثوا الجنةَ العظيمة .
ورثوها مليئةً بالفاكهةِ والثمار ،
فالأعنابُ قد تدلت ،
والنخلُ يريد أن يبكى من كثرةِ ما يحمله من الثمار.
وقالوا فيما بينهم : هذه هى المرة الأولى التى نجنى فيها ثمار هذه الجنة ..
قال أحدهم : إن أبانا كان يعطى أموالنا وثمرة تعبنا لهؤلاء العالة ،
إلى الفقراء والمساكين !
قال الثانى : لَكَمْ كلمتُ أبى فى ذلك ، ولا فائدة !
قال الثالث : وأنا أيضا كلمتُه ، ولم يستجب لى .
قال الرابع : لا بأس . فقد صارت الثمار ثمارنا ، ولسوف نجنى هذه الثمار بدون أن يشعر بنا أحد .
ضحك الجميع بضحكاتٍ ساخرة .
قال أصغرهم وكان أعدلهم وأفضله : أتقصدون أننا لن نعطى حق الفقراء والمساكين ،
كما كان يفعل أبونا رحمه الله !!
قالوا : سوف نمنعهم تماما من المجئ إلى حديقتنا .
قال لهم : لقد أوصانا أبونا أن نعطيهم .
قالوا : إن هؤلاء المساكين يأخذون أموالنا بدون وجه حق .
قال : إن المال نعمة من الله ، وهذه الثمار أخرجها الله لنا ،فينبغى أن نقابل هذه النعمة بالشكر والثناء على الله ،
بإعطاء الفقراء نصيبهم .
قالوا : لن نخرج لهم أى شئ ..
وإذا كنت تريد أن تجبرنا على ذلك ،
فأنت أصغرُنا ونستطيعُ أن نحرمَك منها مثلهم .
وتجاهلوا صوته تماما ،
كأنه غير موجود .
وأخذوا يخططون ..
ذهب أصحاب الجنة إلى جنتهم بعد العصر ،
فوجدوا الثمار على أحسن حال وأطيب ثمر .
ولم يعد هناك إلا جمع الثمار وقطعها .
وأخذوا يدبرون كيف يجمعون هذه الثمار دون أن يشعر بهم المساكين والعالة .
وأقسموا أن يجنوا ثمار الجنة بدون أن يشعر بهم أحد .
ولم يضعوا فى أذهانهم أى بدائل ولا أى احتمالات أخرى لأن يحدث أدنى خطإ .
حتى إنهم لم يقولوا إن شاء الله .
وإذا كان من عادة الفلاحين أن يجمعوا الثمار بعد طلوع الشمس
لكن أصحاب الجنة ،
وخلافا لعادة الفلاحين ،
وضعوا خطتهم بإحكام ،
حيث اتفقوا على جنى الثمار قبيل الصباح
فإذا ما استيقظ الناس فى الصباح ،
وطلعت الشمس وانتشر الناس ..
وجدوا الجنة قد تم جمعها ،
و ذلك لكي لا يعلم المساكين بالأمر فيحضرون طلبا للمعونة ،
وأخذوا يُقْسِمُونَ جميعا على ذلك ،
بل أخذوا الأيمان والمواثيق بصفة خاصة على أخيهم الذى كان مخالفا لمثل هذه العملية .
وتعاهدوا على ذلك حتى لا يفشى أحدٌ منهم سرهم .
وأرادوا أمرا ..
وأراد ربك أمرًا آخر ..
حيث حدث ما لم يكن فى الحسبان !
تبع بالمفاله التانيه.........