كان (ذو نؤاس) ملكًا ظالمًا، استعبد الناس وأوهمهم أنه فوق البشر جميعا .
وخضع الناس لهذا الملك الجبار ، واستسلموا له، ولم يظهروا أى اعتراض .
واستخدم معهم الأساليب الملتوية لتثبيت ملكه .
و استخدم لذلك القتل و التعذيب وغيرها من الوسائل .
و زاد على ذلك أنه استخدم السحر لهذا الغرض وبالغ فى ذلك حتى جعله من أركان حكمه .
وكان لا يأخذ قرارًا مصيريًا إلا إذا لجأ إلى ساحر من كبار السحرة فى مملكته يستشيره .
ونال هذا الساحر عند الملك منزلة خاصة ، ربما لم يصل إليها رجلُ آخر فى المملكة .
وأخذ كبار رجال المملكة يرفعون الساحر إلى أعلى الدرجات ويعتبرونه سرًا من أسرار حفظ مملكتهم .
و مع مرور السنوات أصبح الساحر رجلا طاعنا فى السن ولاحظ الجميع ذلك فدار فى مجلس الملك هذا الحوار :-
ماذا نفعل إذا أصاب هذا الساحر مكروه ؟
يا لها من كارثة !
وهنا التفت الملك ونظر إلى الساحر الكبير نظرة إشفاق وخوف .
فقال الساحر : هون عليك يا مولاي .
وما ترى أيها الساحر العظيم ؟
قال الساحر : ما أريد منكم إلا أن تختاروا غلاما ذكيًا فطنًا سريع الفهم والتلقين وتبعثوا به لأعلمه .
قال الملك ملتفتًا إلى وزرائه : ينفذ هذا الأمر حالا .
وعهد الملك بهذا الأمر إلى مجموعة من الحاضرين .
وأمرهم أن يختاروا الغلام المناسب ويقوموا بإجراء اختبارات الذكاء عليه. فإذا ظفروا على الغلام المطلوب فليخبروه قبل أن يرسلوه إلى الساحر .
وفعلا قام كبار رجال المملكة باختيار الغلام المناسب فوجدوه ابنا لرجل يعرفونه جيدًا ويسمى " التامر " أما الغلام فيسمى " عبد الله ".
وأدخلوا الغلام المختار ومعه أباه أمام الملك .
قال الملك للغلام : أنت عبد الله بن التامر ؟
فقال الغلام : أجل .
قال الملك : أريدك أن تتعلم ما يقوله لك الساحر .. وتفهمه جيدًا ولك عندي أعلى الجوائز والدرجات .
قال الأب : يا سيدي لك ذلك وأكثر .
وسوف يكون منه ما يرضيك .
وخرج " عبد الله " مع أبيه ، والوالد يطير فرحًا بهذا الغلام الذى رفعه إلى مقابلة الملوك .
فى اليوم التالي مباشرة خرج " عبد الله " من بيته مرتديًا أفخر ثيابه و متجهًا إلى الساحر ليتلقى على يديه فنون السحر المختلفة .
ومرت الأيام على هذه الحال والغلام يبدى استجابة وتقدمًا والساحر يبدى إعجابا بهذا الغلام الفطن .
وكان فى الطريق بين الساحر وقرية الغلام صومعة لراهب.
و ظل الغلام أيامًا ينظر إلى الصومعة و إلى الرجل الموجود بداخلها فى ذهابه وعودته .
ويسأل نفسه ماذا يا تُرى يفعل هذا الرجل ؟ ولماذا يأتي بهذه الحركات التى أراه يفعلها ؟
أتراه ساحرًا بطريقة أخرى ؟
كلا .. كلا . إنه ليس بساحر .
كانت هذه الأفكار تدور برأسه ، ثم ينطلق فى طريقه ذاهبًا إلى الساحر أو راجعًا إلى بلدته .
وفى يوم من الأيام كان الغلام متجهًا إلى الساحر فقال فى نفسه لأعرِّفن اليوم ماذا يفعل هذا الرجل .
وأخذ يقترب من الصومعة وينظر بداخلها ويحاول أن يسمع ما يقوله هذا الرجل الذى يجلس بها وينظر ماذا يفعل .
ولمحه الراهب فنادى عليه وأوشك الغلام أن يجرى من الخوف لكن الراهب كان يحمل وجها لا يدل إلا على الخير .
فأقبل عليه الغلام .
قال الراهب : منذ فترة وأنا أراك تمر من هذا الطريق .
فحكى له الغلام قصته و أنه يتعلم السحر عند ساحر الملك .
ثم قال الغلام : وأنت ماذا تفعل فى هذا المكان وحدك ؟
قال الراهب : أعبد ربى .
الغلام : ربك ! ومن ربك أهو ملك لبلد آخر ؟
فقال الراهب : إن الله هو ملك الملوك وهو خالقهم وخالق الناس جميعا .
إن الله – يا بنى – هو الذى خلق الشمس و القمر ، وخلق السماء والأرض . وخلقك وخلق الملك ، و خلقنى و خلق الساحر .
وكل ما ترى فهو خلق الله .
لهذا أنا أعبده وحده ولا أعبد معه شريك .
قال الغلام : لكنني لم أسمع به قبل ذلك . ولماذا لا يكون ملكُنا (ذو نؤاس ) هو الرب ؟
الراهب : يا بنى . لا يمكن أن يموت الإله أبدًا . . وطالما أن الملك (ذو نؤاس) سيموت فلا يمكن أن يكون إله .. إنه مثلي ومثلك يأكــل
ويشرب وينام ويمرض ولسوف يموت كما مات كل الملوك .
أما الله فهو الحى الذى لا يموت .
وكان الراهب رجلا صادق اللهجة عميق الإيمان، فأحبه الغلام وأحب الجلوس إليه .
ومرت الأيام وأًصبح الغلام يتأخر عن موعد الساحر فيضربه الساحر ويتأخر على أهله فيضربه أبوه .
فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسنى أهلى. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسنى الساحر.
وهكذا مرت الأيام على الغلام يتردد على كلٍ من الساحر والراهب ويأخذ عن الاثنين ، وهو فى نفسه يحب أمر الراهب لكنه يجد جميع من حوله يشجعونه ويحيونه على أمر الساحر .
وظل الغلام كذلك ولم يدرِ ما ستأتى به الأيام .
يتبع بمقاله تانيه...............