إنه الإمام حقا وصدقا قولا وفعلا , العالم الرباني , وشيخ الإسلام الثاني , الإمام العلامة والحبر الفهامة ذو الذهن الوقاد والقلم السيال والبيان العذب الأخاذ أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية عليه شآبيب الرحمة والمغفرة.
اشتهر رحمه الله بابن قيم الجوزية لأن والده عليه رحمة الله كان ناظرا ووصيا للمدرسة الجوزية في دمشق وهي أعظم مدارس الحنابلة في دمشق.
( المولد والنشأة ) :
ولد رحمه الله عام 691هـ لسبع ليال خلون من شهر صفر في قرية من قرى حوران يقال لها زرع بضم الزاي وفتح الراء وهي منطقة تبعد عن مدينة دمشق مسافة تقد بخمسين ميلا.
لقد نشأ عالمنا الفذ هذا في بيت علم ودين وتقى فأبوه الشيخ العالم البارز في علم الفرائض وهو العابد الصالح التقي الورع المتوفى سنة 723هـ
وأما أخوه فزين الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن أبي بكر , شارك شيخنا هذا في أكثر رحلاته العلمية وتتلمذ على يديه الحافظ بن رجب وتوفي رحمه الله سنة 769هـ.
وابن أخيه عماد الدين بن زين الدين كان من أفاضل أهل العلم وقد اقتنى أكثر مكتبة عمه , ولشيخنا ابن بدت عليه أمارات النجابة والذكاء لكن قدر الله عاجله بالمنية فمات وهو ابن ثلاث وثلاثين عاما وقد كان مفرط الذكاء حفظ سورة الأعراف في يومين وصلى بالقرآن وهو في التاسعة من عمره.
وابنه برهان الدين إبراهيم , كان فقيها نحويا أخذ العلم عن والده وقام بالتدريس في المدرسة الصدرية .
فإمامنا أصوله أصول علم وتقى وفروعه فروع علم تقى وبتلك الأصول وعلى رأسها إمامنا الكبير وبتلك الفروع أيضا نفع الله الإسلام والمسلمين.
( شيوخه ) :
أخذ رحمه الله علم العربية عن أبي الفتح البعلبكي , فقرأ عليه " الملخص " لأبي البقاء , ثم " الجرجانية" , ثم" ألفية ابن مالك " , وأكثر " الكافية الشافية", وشيئا من كتاب " التسهيل",وقرأ قطعة من " المقرب" لابن عصفور على المجد التونسي.
وأخذ علم الفرائض على والده وأخذ الأصول والفقه عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأخيه شرف الدين بن تيمية وابن مفلح المقدسي الحنبلي , والمجد الحراني إسماعيل بن محمد , وصفي الدين الهندي, فقرأ " الروضة " لابن قدامة المقدسي , " والإحكام" للآمدي, " والمحصول " للرازي, و" المحرر" للمجد بن تيمية .
ومن شيوخه في الحديث :
الشهاب النابلسي
شرف الدين عيسى المطعم
صدر الدين إسماعيل بن مكتوم
القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة
الكحال
ابن الشيرازي
وأبي بكر بن عبدالدائم
وفاطمة بنت جوهر وغيرهم خلق كثير.
ومن أشياخه أيضا:
إمام المحدثين أبو الحجاج المزي , والقاضي بدر الدين بن جماعة الكناني, والقاضي كمال الدين الزملكاني وغيرهم.
( صلته بشيخ الإسلام ابن تيمية ) :
ابن القيم رحمه حسنة من حسنات شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رضوان الله وهو شامة من الشامات الكثيرة التي تزين بها جبين شيخ الإسلام فهو أثر من آثار دعوته وجهاده وعلمه ، فقد توثقت صلته بابن تيمية رحمه الله تعالى بدءا من سنة 712هـ بصورة بالغة تجاوزت علاقة التلميذ بالشيخ بدرجات حتى أثمرت ملازمة تامة من التلميذ لشيخه ، بل انقطاعا للأخذ عنه حتى وفاته رحمه الله سنة 728هـ.
لقد نهل شيخنا من فيض علم شيخ الإسلام رحمه الله وتضلع من فكره السديد حتى خص به من بين تلاميذه وارتبط اسمه باسمه وسيرته بسيرته وغلبت عليه محبته والتأثر بأقواله وآرائه واجتهادته .
ولقد لقي ابن القيم رحمه الله الشيء الكثير من الشدائد والمحن جراء صلته بشيخه ولما دخل شيخ الإسلام سجن القلعة في دمشق آخر مرة ، دخل ابن القيم معه وحبس منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة شيخ الإسلام رحمه الله.
ولعل أهم ما استفاده ابن القيم رحمه الله من شيخه دعوته للاعتصام بالكتاب والسنة الصحيحه وفهمهما على النحو الذي فهمه السلف الصالح وطرح مايخالفهما وتجديد مادرس من معالم الدين الصحيح وتنقيته مما ابتدعه المسلمون من مناهج زائفة من تلقاء أنفسهم خلال القرون السالفة.
( أخلاقه وعبادته وزهده وتواضعه) :
ابن القيم رحمه الله عالم رباني فريد قلما يجود الزمان بمثله ليس في علمه فحسب بل في تقواه وورعه وزهده أيضا يقول عنه الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى " كان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار ويقول : هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي. وكان يقول : بالصبر والفقر تنال الإمامة بالدين. وكان يقول : لابد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه".
ويقول عنه تلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله : " وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار والافتقار إلى الله والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته".
( شيء من ثناء العلماء عليه ) :
يقول عنه الحافظ الذهبي رحمه الله : "عني بالحديث ومتونه وبعض رجاله وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره وبالنحو ويدريه وفي الأصلين وتصدر للاشتغال ونشر العلم".
ويقول عنه الإمام المفسر ابن كثير رحمه الله : " وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لايحسد أحدا ولا يؤذيه ولايحقد على أحد ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه" .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " كان جريء الجنان ، واسع العلم ، عارفا بالخلاف وبمذاهب السلف".
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى : " كان متقيدا بالأدلة الصحيحة ، معجبا بالعمل بها ، غير معول على الرأي ، صادعا بالحق لايحابي فيه أحدا " .
( تلاميذه ) :
لقد تخرج على يدي هذا الإمام الفذ خلق كثير من أكابر العلماء ومشاهير الفضلاء يذكر منهم على سبيل اتمثيل لا الحصر هؤلاء الفضلاء وهم :
أبو عبدالله محمد بن عبدالهادي بن قدامة المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 744هـ.
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الحافظ المشهور المتوفى سنة 774هـ.
أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد الملقب بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ.
( أهم مؤلفاته ) :
1- التبيان في أقسام القرآن.
2- تهذيب مختصر سنن أبي داوود.
3- المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
4- زاد المعاد في هدي خير العباد.
5- أحكام أهل الذمة.
6- أحكام المولود.
7- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان.
8- أعلام الموقعين عن رب العالمين.
9- حكم تارك الصلاة.
10- الفروسية.
11- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية.
12- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية.
13- هداية الحيارى من اليهود والنصارى.
14- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
15- الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية الموسومة بنونية ابن القيم.
16- الروح.
17- الرسالة التبوكية.
18- الوابل الصيب من الكلم