ماذا تعني خائنة الأعين؟
خائنة الأعين هي العيون التي تخون الحرمات وتنتهك الكرامات وتخترق بخفاء شديد حدود المحرمات وتتسلل بمكر رقيق وبطرف خفي إلى معصية الله عزَ وجلَ ، في محاولة منها للكتمان وبينما هي مكشوفة الحركة ومفضوحة التسلل أمام الرقابة الإلهية الدقيقة (إنه يعلم الجهر ومايخفى) سورة الأعلى آية 7.
وخائنة الأعين هي ماقاله الامام الصادق حينما سأل عن قوله تعالى
يعلم خائنة الأعين)، فقال ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشيء وكأنه لاينظر اليه فذالك خائنة الأعين.
يقول الله تعالى في سورة غافر آية19 ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله في هذه الآية : يعلم يعني الله عز وجل خائنة الأعين .
وخائنة الأعين : خيانتها فالخائنةمصدر كالعاقبة وما أشبهها.
ويجوز أن تكون اسم فاعل على أنها خان : يخون فيكونمن باب إضافة الصفة إلى موصوفها ... على كل حال هذه مسألة نحوية ما تهم هنا ، المهمأن للأعين خيانة ،وذلك أن الإنسان ينظر إلى الشيء ولا تظن أنه ينظر إليه محرماًولكن الله عز وجل يعلم أنه ينظر نظراً محرماً ، كذلك ينظر إلى الشخص نظر كراهية ،والشخص المنظور لايدري أن هذا نظر كراهية ، ولكن الله يعلم أنه نظر كراهية ، كذلكينظر إلى الشخص نظر إنكار ، أو نظر رضا ، ولكن الله سبحانه هو الذي يعلم ذلك فهوسبحانه يعلم خائنة الأعين ،ويعلم أيضا ما تخفي الصدور ، أي القلوب ، والقلوب هي التي يكون بها العقل ، ويكون بها الفهم ، ويكون بها التدبير ، كما قالسبحانه وتعالى :
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها )
وقال): فإنها لا تعمى الأبصار ،ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
ويقول الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي:
أي أن الله تبارك وتعالى محيط علمه، وهو مطلع ورقيب على كل شيء حتى في الأمور الدقيقة، فكثير من الناس لو أنك جالس معهم وخالفت عينك ونظرت تتوقع أنهم ما علموا ذلك، فهي أقل ما يمكن من الحركات العملية الظاهرة.
ومعنى قوله (وما تخفي الصدور) أي: الأسرار الباطنة، فالله تبارك وتعالى يعلم أدق الأمور الظاهرة، وأدق الأمور الباطنة، فهو يعلمها تبارك وتعالى، ولا يخفى عليه شيء.
قال ابن كثيررحمه الله عند تفسير هذه الآية العظيمة:
يُخْبِر عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِلْمهالتَّامّ الْمُحِيط بِجَمِيعِ الأشْيَاء جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا صَغِيرهَاوَكَبِيرهَا دَقِيقهَا وَلَطِيفهَا لِيَحْذَرَ النَّاس عِلْمه فِيهِمْفَيَسْتَحْيُوا مِنْ اللَّه تَعَالَى حَقّ الْحَيَاء وَيَتَّقُوهُ حَقّ تَقْوَاهُوَيُرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَة مَنْ يَعْلَم أَنَّهُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّيَعْلَم الْعَيْن الْخَائِنَة وَإِنْ أَبْدَتْ أَمَانَة وَيَعْلَم مَا تَنْطَوِيعَلَيْهِ خَبَايَا الصُّدُور مِنْ الضَّمَائِر وَالسَّرَائِر .
قوله تعالى: "يعلم خائنة الأعين" قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة .
قال ابن عباس: هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
وعنه: هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها.
وقال مجاهد هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.
وقال قتادة: هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى.
وقال الضحاك: هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى. وقال السدي: إنها الرمز بالعين.
وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة.
وقال الفراء: "خائنة الأعين" النظرة الثانية "وما تخفي الصدور" النظرة الأولى.
وقال ابن عباس: "وما تخفي الصدور" أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا. وقيل: "وما تخفي الصدور" تكنه وتضمره.
ومما جاء في السنة قصة ابن أبي السرح عن سعدبن أبى وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبدالله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى اللهعليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا كل ذلكيأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذاحين (حيث) رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله. فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسكألا أومات إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنةالأعين.رواه أبو داود و البيهقي .
النظرةالخائنة
اعلم أن إطلاق البصر سبب لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد، وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين، وكم وقع بسببه أناس في الزنى والفاحشة والعياذ بالله.
فالعين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب. شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة.
وما كان إطلاق البصر سببا لوقوع الهوى في القلب أمر الشارع بغض البصر عما يخاف عواقبه، فقال تعالى:
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...)النور:30-31
النظر وخطورته
قال الإمام ابن القيم: أمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) غافر:19.
ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه ا لأربعة أحرز دينه: اللحظات، والخطرات،واللفظات، والخطوات.
قال: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
كـل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلاقوس ولاوتر
والعبــد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مقلته ما ضـر مهجـته *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضـرر
وكان السلف الصالح يبالغون في غض البصر؟ حذراً منفتنته، وخوفا من الوقوع في عقوبته.
قال ابن مسعود رضي الله عنهوأرضاه: ما كان من نظرة فان للشيطانفيها مطمعا.
وكان الربيع بن خيثم رحمه الله يغض بصره، فمر به نسوة،فأطرق - أيأمال رأسه إلى صدره - حتى ظنالنسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان من الرجل في ثلاثة منازل: في بصره، وقلبه، وذكره. وهو منالمرأة في ثلاثة منازل: في بصرها، وقلبها،وعجزها.
وقال في قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَالأعْيُنِ﴾الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة، فيريهم أنه يغضبصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظرإليها، فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره،وقد اطلع الله عز وجل من قلبه أنه يود لو نظر إلىعورتها.
وقال عيسى ابن مريم: النظر يزرع في القلب الشهوة،وكفى بها خطيئة.
وقال معروف: غضوا أبصاركم ولو عن شاةأنثى.
وقال ذو النون: اللحظات تورث الحسرات؟ أولها أسف،وآخرها تَلَف، فمن طاوع طرفه تابع حتفه.
وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد، فلماعاد قالت له امرأته: كم منامرأة حسناء قدرأيت؟ فقال: والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندكإلى أن رجعت إليك.
وقال أحمد بن حنبل: كم نظرة ألقت فيقلب صاحبها البلابل
يا من رأى سـقمي يزيد ... وعـلتي تـعي طبيـبي
لاتعجـبن فهكـــذا ... تجني العيون على القلوب